أحسد أناس تلك الفترة، والتي كان فيها الحمام الزاجل هو الوسيلة الوحيدة للتواصل البعيد فيما بينهم، على الأقل حينها كنت لتنتظر زمناً لا بأس به، بين الرسالة والأخرى، وعلى عكس هذه الفترة والتي أخذنا فيها دور الحمام الزاجل نفسه، فأصبحنا نحن من ينتقل بين رسالة وأخرى، وشخص وآخر.

هي مغامرة رائعة، تبدأ بها في صباح كل يوم، ومع فنجان قهوتك السوداء، وتنتهي في المساء مع آخر لحظة تغلق بها عينيك، تشعر في بعض اللحظات فيها، بأنك في سرك كبير، تمشي على كرة كبيرة ملونة محاولاً التوازن، أو تركض على حبل طويل بدون شبكة تحته تحميك، أكاد أجزم أيضاً أن الجمهور الذي يراقبك في صالة السرك هذه، يضحك على عمرك الذي تقضيه متقلباً متنقلاً من حبل لآخر، سائل نفسه : هل سيقضي عمره كله بهذا الهراء !! وللأسف، الاجابة هي نعم، سنقضيه كله.

مازلت غير مقتنع تماماً، بأن الايميل، هو أفضل وسيلة للتواصل، طبعاً بالتأكيد ان قارناه بالهاتف والجوال، سيكون الأفضل على الاطلاق، أو على الأقل بالنسبة لي شخصياً أجده أذكى أيضاً، لكن هل من المستحيل اختراع وسيلة أخرى للتواصل السريع الذكي، “التخاطر” مثلاً، فبدلاً من الوقت الذي أقضيه وأنا أحاول النوم أو في بعض الأحيان وأنا نائم، مفكراً بألف قضية وقضية، محاولاً محاكاة بعض الردود قبل كتابتها، دع كل ماأفكر به يكتب لوحده، بل ويرسل الى الشخص بعينه، ستكون طريقة رائعة !! أو لا لاأعتقد ذلك لن تكون طريقة رائعة، عندها ستأتيك ألف رسالة بدل من مئة، وستصبح مضطراً عندها للحديث مع الشخص أكثر من مرة وبسرعة قصوى، لا لم تعجبني “طريقة غبية” أشبهها للمسنجر الغبي هو الآخر، على ذكر المسنجر، أعتقد أن الترتيب الصحيح للتواصل على مستوى العالم كان ليكون على الشكل التالي :

التفاهم بلغة الاشارة – الكلام والأحرف – ثم تعلم الكتابة – المسنجر – الهاتف – ثم الجوال – يليه الايميل – والتخاطر ان تمكن أحبتنا العلماء من اختراعه.

هذا ولاننسى أن احدى سلبيات البريد الاكتروني، هي تقلبات المزاج بين رسالة وأخرى،

ففي رسالة الصديق : اجابة صادقة دافئة مع ابتسامة خافتة، وبرود جميل تماماً كنسمة الصيف.
وفي رسالة العميل الجديد : حب وحنان وتفاؤل وصدق احساس نابع عن رغبة حقيقية في المساعدة.
وفي رسالة العميل السابق : شعور غريب ينتابه الريب والشك، بطلب تعديل على عمل مضى عليه سنتان على الأقل.
أما رسالة صاحب سؤال كيف أتعلم التصميم : موجة غضب، وحزن وندب وشجب للحظ العاثر الذي بدأت يومك به.
كذلك صاحب رسائل النقد البناء والملاحظة الذكية : بتشابه احدى أعمالك مع احدى أيقونات شوارع ايطاليا القديمة،
ورغبته بمعرفة رأيك تجاه هذا الموضوع الخطير والخاص والذي أرسله بسرية تامة، طبعاً بعد تأكده من مشاركة الفكرة مع أصدقائه على تويتر.

الى متى !!

للأسف هذه المرة بالتحديد، لايوجد لدينا وسيلة أخرى لنتخلص بها من لعنة البريد الالكتروني ” أو لعنة التحول الى الحمام الزاجل ” فهو ليس بحالة شعورية، أو مزاج متقلب عابر تتخلص منه بمحاولة قراءة قصص الناجحين”التي ستحبطك أكثر”، هو عبارة عن عملية يومية مثلها مثل أي شيئ آخر كالنوم مثلاً، ففي الكثير من الأحيان نتمنى لو أننا لاننام، عندها سنضيف 7 ساعات الى اليوم على الأقل، في حالتي “4 ساعات فقط” لكنها ممتازة عندها سأخصصها للرد على الرسائل، والتواصل الايجابي الفعال المليئ بالحماس والنشاط والابتسامة مع العملاء، والرد على أسألة “كيف اتعلم التصميم في أسبوع” بشكل موسع ولبق أكثر !!

الحل !!

كي نخرج بنتيجة ولاتكون سيرة الحمام الزاجل سيرة عابرة غير ذات معنى، أرى أن يخصص المستقل جزء من يومه ويفضل أن يكون بحدود النصف ساعة – ساعة صباحاً .. ومثلها بالمساء، للرد على رسائله واعطاء كل رسالة حقها وشعورها الخاص بها، عندها قد نخفف تلك اللعنة قدر الامكان، كونها من المسلمات،
وكلما تضايقت من رسائل بريدك .. قارنها ببساطة بفكرة تواصلك مع عميل سابق عن طريق الجوال : حيث أنه يريد شرح وجهة نظره بالعمل القديم، وطلب تعديلات جديدة عليه، وايصال فكرة الألوان، والانطباع الصادق الخفي، الذي يريد تركه لدى الزوار، وفي يدك عمل ما .. تحتاج فعلاً أن تنهيه بسرعة وبتركيز، وطبعاً لن تستطيع اغلاق الهاتف، الا بعد انهائه الحديث !! عندها فقط ستشعر بتلك النعمة وستشكر الله ألف مرة على نعمة الايميل وألف ألف مرة كونك مستقل، تضع حدود لعميلك، واتفاقية تضمن حقه، وحقك بعدم طلبه المزيد من التعديلات من أحفادك بعد 100 عام !

حقوق الصورة محفوظة لـ Julian Burford

 

1 تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

  • هههههههههه
    هذه العبارة عجبتني جدا وخاتمة رائعة للتدوينة

    وطبعاً لن تستطيع اغلاق الهاتف، الا بعد انهائه الحديث !! عندها فقط ستشعر بتلك النعمة وستشكر الله ألف مرة على نعمة الايميل وألف ألف مرة كونك مستقل، تضع حدود لعميلك، واتفاقية تضمن حقه، وحقك بعدم طلبه المزيد من التعديلات من أحفادك بعد 100 عام !

    رائع دوما اخ محمد .. عندما تكتب نحن نشعر اننا نتكلم وجها لوجه لان المشاعر متقاربة

    تحياتي