تتعدد طرق التسعير في مجال العمل الحر، وربما لا يوجد طريقة صحيحة أو خاطئة، والصحيح أن هناك طريقة “تناسبك أو لا تناسبك”، والتسعير مقابل ساعة العمل من أهم وأشهر الأساليب المتبعة، تماماً كالتسعير مقابل المشروع، وفي هذه التدوينة سأذكر بعض الملاحظات التي تخص هذا الاسلوب من التسعير، والتي سيكون تركيزي فيها على السلبيات أو النقاط التي تجعلني لا أفضله، مع ملاحظات ختامية سريعة عند رغبتك باعتماده،

وقبل البدء بالقراءة : ستلاحظ في هذه التدوينة تكرار لكلمات على شاكلة ”غالباً، أفترض، أغلب الظن، ربما“ وهي كلمات للتأكيد على أن هذه التدوينة وكأغلب التدوينات الأخرى من وجهة نظري وتجربتي، وليست مواد علمية أو أكاديمية لا يشكك بصحتها، بل على العكس ربما لا تتفق معها أبداً، 

أيضاً وبالتأكيد لن أشمل جميع الملاحظات أو السلبيات والايجابيات، لكنها أفكار سريعة قد تفيدك أو توضح لك جانباً لم تأخذه بحسبانك.

نحن لانعتمد على الوقت فقط

بالتأكيد هو عمل .. يحتاج لوقت، وانت تتقاضى ثمنه، لكن المهن التي نعمل فيها “خصوصاً تلك الابداعية منها كالتصميم بمجالاته، أو التصوير والكتابة وغيرها” لا تعتمد على الوقت أو الجهد فقط، بل على التفكير، التركيز، والابداع أو التجديد والخروج عن المألوف .. وذلك يحتاج للتجربة .. والتجربة تحتاج لوقت اضافي،
أي ربما ستقوم بتجربة فكرة لعمل ما، وقد تنهيها ثم تكتشف انها غير مناسبة فتعيد العمل من جديد، والوقت الذي سيأخذه هذا الأمر مهما كنت محترفاً لا يمكنك التنبؤ به أو معرفته، ثم أنك قد تجلس لغاية العمل لساعات، دون أن تجز شيئ حقيقي يستحق العرض أو التقديم،

وأضف للسابق كله الخبرة، سواء أكان ذلك بعدد تجاربك والمشاريع التي قدمتها وأنجزتها خلال سنوات عملك، أو حتى تلك الدورات والكتب التي تعلمت منها، والتي أوصلتك الى سرعة ومهارة أو ذكاء معين بتجربة واختبار الأفكار .. كل ذلك برأيي لا يمكن التعبير عنه بسعر أو كلفة معينة مقابل ساعة العمل حتى لو قمت بتعديلها أو زيادتها من الحين للآخر.

التسعير بالساعة يقلل الكفاءة

نعم من يعمل بضمير وأمانة سيعمل كذلك سواء أكان عملاً حراً ”أياً كان اسلوب التسعير فيه“ أو حتى وظيفياً، لكن حتى مع افتراضنا لذلك فأغلب الظن أنك وعلى المدى الطويل ستدخل في صراع مع نفسك يسببه الروتين والملل من المهام وماتقوم به، وسيصبح تركيزك على الساعات ومرورها وربما عددها، وليس على الانجاز وحجمه وسرعتك بذلك،

والسرعة ”مع الجودة“ بالعمل تشجعك على استلام المزيد من الأعمال، وبالتالي زيادة كفاءتك الشخصية، وهذا يعني عدد عملاءك وأعمالك، ولو جربت الحالتين وقمت بمقارنة بسيطة ستعرف الفرق بحجم العمل الذي ستنجزه بالوقت نفسه.

يٌصَعبٌ عليك بناء علاقة جيدة مع عميلك

ربما أغلب العملاء سيفضل التسعير مقابل الساعة، حيث أنه سيكون مرتاحاً باضافة أي تعديلات أو تطويرات على المشروع، أو ربما سيقلل المخاطرة بامكانية الغاء العمل بأي وقت في حال كان المستقل غير معروف أو في بداية مسيرته، وقد تظنه انت أبسط وأسهل وأفضل أيضاً .. لكن هذا الأسلوب من التعامل سيخلق حالة من الشك وعدم الراحة لكلاكما، فغالباً وبعد مدة من الوقت ستحاول جدولة كل ثانية من وقتك، ودون معرفة الضائع منها أو الحقيقي،  وسيبدأ عميلك بالشعور بمرور وقت كبير على مهام صغيره، أو ستبدأ المهام تنهمر عليك وستركض خلفها،

و بعيداً عن التعميم المطلق، فأغلب عملاء هذا النوع من التعامل أو التسعير لا تبنى معهم علاقات جيدة ومريحة على المدى الطويل، وربما استثناء ذلك هو اما تقاضيك لكلفة قليلة تشجع عميلك وتريحه بالوقت بحيث أن اجمالي ساعات العمل ستكون أقل من الكلفة المقطوعة للمشروع، أو في حال كنت تملك انت وعميلك خبرة واحترافية كبيرة بالتعامل تجعلكم مرتاحين به.

صعوبة تحديد كلفة الساعة

رغم أن تحديد كلفة ساعة العمل، ثم اعتمادها للمشروع ككل يبدو ظاهرياً سهلاً، بسيطاً، وفيه راحة أكبر مقارنة بأسلوب الكلفة مقابل المشروع واحتمالية أخذ وقت وجهد أكبر، لكن الصعوبة الحقيقة تكمن بتقدير الكلفة الصحيحة لساعة العمل الخاصة بك،

فلو عملت عشوائياً على تقديرها : أو اعتمادها بناء على كلفة ساعة العمل لشخص ما، فستقع بفخ الزيادة المفرطة التي لاتعبر عنك والغير مناسبة لعميلك، أو النقصان المجحف بحقك ثم عدم الرضى لاحقاً بذلك، وبكلتا الحالتين ستصبح هذه الكلفة التي حددتها صعبة التعديل والتغيير لاحقاً،

ثم لو حاولت العمل على تحديدها بدقة : أي مثلاً، بتقدير المبلغ الذي الذي تحتاجه شهرياً، واضافة كلفة معداتك، وخبرتك، ونسبة الأعطال والخسائر ”وغيرها من الأمور المملة التي نسمعها لتقدير كلفة الساعة“ فستدخل بتعقيدات مزعجة غير منطقية أحياناً، تجعلك غير راض عن القيمة التي ستصل لها أياً كانت.

ثم صعوبة تعديل هذه الكلفة

كما ذكرت في النقطة السابقة فتحديد كلفة معينة والعمل بها قد لا يكون أمراً بسيطاً وسهلاً ”خصوصاً ببداية مسيرة الشخص“ لكن ولنفرض أنك وصلت لكلفة الساعة التي تخصك أو المناسبة لمشروع معين، سواء بتحديدها بناء على المتعارف عليه بتجارب من حولك، أو وصلت لها بناء على تفاوضك الطويل مع عميلك الذي حددها أيضاً بناء على تجاربه، وآراء من حوله،

فالصعوبة الحقيقية ستكون لاحقا بتغيير هذه الكلفة، فتعديل سعر ساعة العمل اصعب بمراحل من تعديل كلفة مشروع تظن أنه متعب وسياخذ وقتاً وجهداً مختلفاً، فأغلب الأحيان تصبح هذه القيمة العامة التي يتم تقديرك بها، وتغييرها يعني اقناع أي شخص تعامل معك سابقاً أو جاء من طرف عميل سابق لك ”لو قام بترشيحك“ بسبب هذا التغيير، ثم التفاوض من جديد والدخول بدوامة لاتنتهي.

يزيد شعورك بعدم الرضى

أغلب الظن أن التسعير مقابل الساعة لن يشعرك بالرضا والراحة، فلو كان العمل روتيني أو سهل، وعميلك مرن ومتفهم، ستكون مرتاحاً، ولو كان العمل معقداً مملاً ويحتاج لخبرة أو فهم وتركيز كبير، فسيبدأ شعورك بعدم الراحة والرضا سواء على عدم استلام المشروع كمشروع منفصل بكلفة محددة، أو عن السعر الذي قدرته لساعة العمل فيه مثلاً، هذا ماعدى الصراع الدائم مع الضمير بمدى التزامك وعملك وتركيزك بالوقت الذي تقضيه والذي يتم حسابه على العميل،

ونعم قد تكون جزئية الرضا وعدمه، لا تخص التسعير بالساعة فقط، لكن تكمن المشكلة بالاستمرارية التي يخلقها التسعير مقابل الساعة عكس التسعير مقابل المشروع مثلاً، والذي حتى لو قدرت قيمته بنقصان بسيط أو غيره فسينتهي شعورك مع نهاية المشروع .. هذا ماعدى امكانية تعديل كلفة المشروع في حال زيادة الحجم عن المتفق عليه أو غيره،

يخلق شعور الأمان الوظيفي الوهمي

قد تظن أن اسلوب التسعير مقابل الساعة فيه أمان أكبر، الأمر الذي يشبه اسلوب العمل الوظيفي، أي بمعنى اخر عميل يتعامل معك دائماً أو لمدة طويلة ومبلغ مضمون على مدى طويل نسبياً “شهر، شهرين، أو حتى سنة مثلاً“،

وطبعاً مع التسليم بعدم صحة هذا الفكر، لأن الرزق وتيسيره من الله وأياً كان نوع التعامل وطبيعته، فبرأيي اعتمادك على اسلوب التسعير هذا واستمرارك فيه، قد يسبب ضرر أكبر وأكثر على المدى البعيد، فلو استمرت علاقة العمل مع عميلك، وكل شيئ كان جيد ولم يتوقف التعاقد بعد مدة، سيحرمك هذا الأسلوب المغامرة والتجربة والتعامل مع عملاء جدد عكس التسعير مقابل المشروع الذي سيكون أفضل لك ”مادياً، معنوياً، ومهنياً“ على المدى البعيد،

خسارة التسويق بالتوصية

ربما يكون أسلوب التسويق الأهم والأكبر لك في العمل الحر، والذي يجب أن يكون تركيزك دائماً عليه، هو التوصية من العملاء السابقين، أو الـ ”word of mouth“ والتسعير بالساعة يجعل نسبة خسارتك لهذا الأسلوب كبيرة،

كون الشعور الذي يتركه التعامل مقابل الساعة لدى العميل، أقرب لشعور الموظف في العمل الوظيفي ”فكم عميل يرشح موظف يعمل معه لشركة أو جهة أخرى؟“، ويمكنك فهم واستنتاج هذا الانطباع من اسلوب اضافة المهام وطلبها وتحديد أوقاتها ومتابعتك بها، ونعم هذا الأمر يختلف من عميل الى آخر وليس لذلك قاعدة، لكنه حتماً سيلعب دوراً كبيراً بذلك، على الأقل برأيي.

وبالوقت نفسه قد يناسبك بحالات معينة

فمثلاً أجد أن التسعير بالساعة يناسب المستقل في بداية مسيرته لخلق تجربة وخبرة حقيقية بالعمل، أو كجسر للانتقال من العمل الوظيفي للحر، أو حتى لاستلام مشاريع فيها مخاطرة قد لاتناسبه وتناسب عميله مثلاً،

وربما يصلح بشكل أكبر أيضاً للتعديلات والأمور الروتينة، فلو افترضنا أنك عملت على مشروع ما بكلفة ومدة معينة ثم انهيته، وظهر لاحقاً مع العميل تطويرات على المشروع أو اضافات وتعديلات قد لاتكون محددة وواضحة بشكل كبير، فربما يكون أسلوب التسعير هذا فعالاً ورائعاً بذلك، كما أنني أجده يناسب مجالات معينة أكثر من غيرها كالعمل البرمجي مثلاً،

ملاحظات سريعة عند رغبتك باعتماده

  • ركز دائماً على أن توضح لعميلك أن كلفة الساعة التي قدرتها تخص هذا المشروع وهذه الحالة، وهي كلفة متغيرة.
  • حدد عدد ساعات متوقع للمشروع قبل أن تبدأ به ”سواء لنفسك او لعميلك أيضاً“ ودرب نفسك على صحة تقديره.
  • حاول أن تستخدم برنامج لمراقبة وتسجيل العمل وماتقوم به ”لنفسك قبل عميلك“.
  • استخدم برامج وتطبيقات فعالة للمهام ومتابعتها وتحديد ساعات العمل عليها، لتنظيم وأرشفة ما تقوم به بشكل كامل.
  • اتفق مع عميلك على تسلسل معين لانجاز العمل، أو مجموعة مهام محددة لكل أسبوع مثلاً.
  • لا تجعل تعديل أولويات المهام مشتت ويومي، “ماعدى الحالات الطارئة التي يتوقف بها المشروع مثلاً”.
  • طور وعدل دائماً على كلفة الساعة ”زيادة أو نقصان“ وأعلم عملاءك بها وبالسبب الذي جعلك تعدلها.
  • وكرأيي شخصي جرب من الحين للآخر أسلوب الكلفة مقابل للمشروع، ولا تعتمد اسلوب التسعير بالساعة فقط.

بالنهاية

كما توضح التدوينة فشخصياً لا أفضل أسلوب العمل مقابل الساعة، ولا يعني ذلك أنه سيئ أو التعامل فيه خاطئ، لكني أجده غير مناسب على المدى الطويل للمستقل وتطوره الشخصي، ونعم وكما ذكرت بالأعلى له حالات مناسبة جداً،

لكن ماأنصح به بشكل كبير بما يخص هذا الاسلوب هو استخدامه لك شخصياً، أي تقدير كلفة خاصة بينك وبين نفسك لسعر ساعة العمل الخاصة بك، أي مثلاً بتقدير المبالغ التي تتقاضاها على المشاريع عادة وتقسيمها على الوقت الذي أنجزته بها، ثم الخروج بمبلغ وسطي يعبر عن كلفة ساعة العمل، والغاية أن تستخدم هذه الكلفة لتقدير المشاريع التي يتعذر عليك تقدير كلفة العمل عليها مثلاً و بحيث تتوقع عدد الساعات التي ستقضيها فيها ثم تضربها بهذه الكلفة وتخرج بقيمة تقريبية للمشروع،

وأخيراً وكالعادة كل ماذكرته بالأعلى، يخص رأيي وتجربتي، وليس بالضرورة أن يكون صحيحاً وملائماً للجميع.

3 تعليقات

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

  • يعطيك العافيه استاذ محمد على التدوينة المفيدة
    اتمنى تسجيل التاريخ مع التدوينات

  • فعلاً أتفق معك على صعوبة صحة تقدير عدد الساعات، موضوع رائع نبهتني على نقاط مهمة يعطيك العافية

  • مرحبًا محمد، شكرًا على التدوينة الي قرأتها متأخر بيوم من مناقشة عميل جديد على تسعيرات مجموعة مشاريع.. ولكن حاولت أقرر اني ماأندم وأحاول أعيش التجربة كاملة وأتأكد لو راح أعتمد هاذي الطريقة دائمًا أو كانت تجربة جيدة لكن أختار طريقة أفضل لاحقًا.

    ممتنة لكم المعلومات المفيدة الي تشاركها معنا دائمًا.